التمهيد: إن محبة الوطن فطرة مركوزة في عمق كل إنسان ، فكل إنسان سوي يحب وطنه ويعتز به، ويعمل على تعميره، ويحارب من أجله ويقدم روحه فداء له، الرسول ﷺ بحكم بشريته وفطرته الإنسانية صور هذا المعنى فقال عندما خرج من بيته مهاجراً إلى المدينة:" ما أطيبَكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنتُ غيرك" عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال قالت فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك قالت فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله، وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته فيقول ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل قالت عائشة فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة.
العنصر الأول: مصر الوطن الأعظم ما بالنا إذا كان هذا الوطن هو مصر العظيمة صاحبة التاريخ الطويل والحضارة الباقية، مصر التي جعلت عنوانا ورمزا للأمن فقال الله تعالى على لسان نبيه يوسف عليه السلام:" وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" روى مؤلف كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيرا، فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبو بكر: ولم يا رسول الله؟ قال: لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة" فما من مستعمر أ ومحتل في التاريخ إلا استهدف مصر، وما حاول أحد أن يستهدف مصر إلا دفن في ترابها، أو قتل على أعتابها، لأن المصريين دائما في رباط يعني جاهزية للدفاع في أي وقت.
العنصر الثاني: الدفاع عن الوطن من أهم معالم الإسلام: بعث النبي إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح ، إلا المراوضة في ذلك فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ، فقالا له : يا رسول الله ، أمرا تحبه فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به ، لا بد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ( والله ) ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم قال : ليجهدوا علينا